أين الرواية بل أين النجوم وما صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب؟
للشاعر / ابوتمام
السيف أصدق أنباءً من الكتب ** في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ** متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعةً ** بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية بل أين النجوم وما ** صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب
تخرصاً وأكاذيباً ملفقة ** ليست بنبعٍ إذا عدت ولا غرب
عجائباً زعموا الأيام مجفلةً ** عنهن في صفر الأصفار أو رجب
و خوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ ** إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
و صيروا الأبرج العليا مرتبة ** ما كان منقلباً أو غير منقلب
يقضون بالأمر عنها و هي غافلةٌ ** ما دار في فلكٍ و في قطب
لو بنيت قط أمراً قبل موقعه ** لم تخف ما حل بالأوثان و الصلب
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ** نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطب
فتح تفتح أبواب السماء له ** و تبرز الأرض في أثوابها القشب
يا يوم وقعة عمورية انصرفت ** عنك المنى حفلاً متسولة الحلب
أبقيت جد بني الإسلام في صعدٍ ** و المشركين و دار الشرك في صبب
أم لهم لو رجوا أن تفتدي جعلوا ** فداءها كل أمٍ برةٍ و أب
و برزة الوجه قد أعيت رياضتها ** كسرى وصدت صدوداً عن أبي كرب
بكرٌ فما اقترعتها كف حادثهٍ ** و لا ترقت إليها همة النوب
من عهد إسكندرٍ أو قبل ذلك قد ** شابت نواصي الليالي و هي لم تشب
حتى إذا مخض الله السنين لها ** مخض البخيلة كانت زبدة الحقب
أتتهم الكربة السوداء سادرةً ** منها و كان اسمها فراجة الكرب
جرى لها الفأل برحاً يوم أنقرةٍ ** إذ غودرت وحشة الساحات و الرحب
لما رأت أختها بالأمس قد خربت ** كان الخراب لها أعدى من الحرب
كم بين حيطانها من فارسٍ بطلٍ ** قاني الذوائب من آني دمٍ سرب
بسنة السيف ، و الحناء من دمه ** لا سنة الدين و الإسلام مختضب
لقد تركت أمير المؤمنين بها ** للنار يوماً ذليل الصخر و الخشب
غادرت فيها بهيم الليل و هو ضحى ** يشله وسطها صبحٌ من اللهب
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت ** عن لونها وكأن الشمس لم تغب
ضوءٌ من النار والظلماء عاكفةٌ ** وظلمةٌ من دخانٍ في ضحىً شحب
فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت ** والشمس واجةٌ من ذا ولم تجب
تصرح الدهر تصريح الغمام لها ** عن يوم هيجاء منها طاهرٍ جنب
لم تطلع الشمس فيه يوم ذاك على ** بانٍ بأهلٍ ولم تغرب على عزب
ما ربع مية معموراً يطيف به ** غيلان أبهى ربىً من ربعها الخرب
ولا الخدود وقد أدمين من خجلٍ ** أشهى إلى ناظري من خدها الترب
سماجةٌ غنيت منا العيون بها ** عن كل حسنٍ بدا أو منظرٍ عجب
وحسن منقلبٍ تبدو عواقبه ** جاءت بشاشته من سوء منقلب
لو يعلم الكفر كم من أعصرٍ كمنت ** له العواقب بين السمر والقضب
تدبير معتصمٍ بالله منتقمٍ ** لله مرتقبٍ في الله مرتغب
و مطعم النصر لم تكهم أسنته ** يوماً و لا حجبت عن روح محتجب
لم يغز قوماً و لم ينهد إلى بلدٍ ** إلا تقدمه جيشٌ من الرعب
لو لم يقد جحفلاً يوم الوغى لغدا ** من نفسه وحدها في جحفلٍ لجب
رمى بك الله برجيها فهدمها ** و لو رمى بك غير الله لم يصب
من بعد ما أشبوها واثقين بها ** و اللهم مفتاح باب المعقل الأشب
و قال ذو أمرهم : لا مرتعٌ صددٌ ** للسارحين و ليس الورد من كثب
أمانياً سلبتهم نجح هاجسها ** ظبي السيوف و أطراف القنا السلب
إن الحمامين من بيضٍ و من سمرٍ ** دلوا الحياتين من ماءٍ و من عشب
لبيت صوتاً زبطرياً هرقت له ** كأس الكرى و رضاب الخرد العرب
عداك حر الثغور المستضامة عن ** برد الثغور و عن سلسالها الحصيب
أجبته معلناً بالسيف منصلتاً ** و لو أجبت بغير السيف لم تجب
حتى تركت عمود الشرك منقعرا ** ولم تعرج على الأوتاد و الطنب
لما رأى الحرب رأي العين توفلسٌ ** و الحرب مشتقة المعنى من الحرب
غدا يصرف بالأموال جريتها ** فعزه البحر ذو التيار و اللجب
هيهات زعزعت الأرض الوقور به ** عن غزو محتسبٍ لا غزو متكسب
لم ينفق الذهب المربي بكثرته ** على الحصى و به فقرٌ إلى الذهب
إن الأسود ، أسود الغاب همتها ** يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
ولى و قد ألجم الخطي منطقه ** بسكتةٍ تحتها الأحشاء في صخب
أحذى قرابينه صرف الردى و مضى ** يحثث أنجى مطاياه من الهرب
موكلاً بيفاع الأرض يشرفه ** من خفة الخوف لا من خفة الطرب
إن يعد من حرها عدو الظليم فقد ** أوسعت جاحمها من كثرة الحطب
تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت ** جلودهم قبل نضج التين و العنب
يا رب حوباء لما اجتث دابرهم ** طابت و لو ضمخت بالمسك لم تطب
و مغضبٍ رجعت بيض السيوف به ** حي الرضا من رداهم ميت الغضب
و الحرب قائمةٌ في مأزقٍ لججٍ ** تجثو الكماة به صغراً على الركب
كم نيل تحت سناها من سنا قمرٍ ** و تحت عارضها من عارضٍ شنب
كم كان في قطع أسباب الرقاب بها ** إلى المخدرة العذراء من سبب
كم أحرزت قضب الهندي مصلتةً ** تهتز من قضبٍ تهتز في كثب
بيضٌ إذا انتضيت من حجبها رجعت ** أحق بالبيض أتراباً من الحجب
خليفة الله جازى الله سعيك عن ** جرثومة الدين و الإسلام و الحسب
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها ** تنال إلا على جسرٍ من التعب
إن كان بين صروف الدهر من رحمٍ ** موصولةٍ أو ذمامٍ غير منقضب
فبين أيامك اللاتي نصرت بها ** و بين أيام بدرٍ أقرب النسب
أبقت بني الأصفر الممراض كاسمهم ** صفر الوجوه وجلت أوجه العرب